فصل: الباب الثامن: في حكم تصرفات أرباب الأرض الخراجية فيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستخراج لأحكام الخراج



وروى ابن أبي شيبة عن حميد بن عبدالرحمن عن حسن بن صالح عن مطرف عن بعض أصحابه قال اشترى طلحة بن عبيدالله أرضا عند السيلحين فأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال إني اشتريت أرضا معجبة فقال له عمر رضي الله عنه ممن اشتريتها اشتريتها من أهل الكوفة اشتريتها من القادسية قال طلحة وكيف اشتريتها من أهل القادسية كلهم قال إنك لم تصنع شيئا إنما هي فيء.
وروى أبو عبيد بإسناده عن الحسن قال قال عمر رضي الله عنه لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أرضهم قيل للحسن ولم قال لأنهم فيء للمسلمين.
وروى يحيى بن آدم بإسناده عن قتادة عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يشتري من أرض الخراج شيئا ويقول عليها خراج المسلمين.
وروى الأحوص بن حكيم عن أبي عون عن سعيد بن المسيب قال أرسل ابن عمر إلى رافع بن خديج رضي الله عنه يسأله عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض العجم قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع أرض العجم وشرائها وكرائها خرجه حرب عن إسحاق بن راهويه عن عيسى بن يونس عن الأحوص به والأحوص ضعيف جدا ولا ريب أن بيع رقبة أرض العنوة عند من يرى أنها فيء أو وقف لا يجوز لمن هي في يده لأنه غير مالك لها فإن كان فيها بناء له فإن كان البناء من تراب الأرض فحكمه حكمها وإن كانت بناء بآلة مملوكة لصاحبها فهو مملوك له.
وحكى القاضي وابن عقيل وصاحب المغني وغيرهم من أصحابنا روايتين عن أحمد في جواز بيعه إحداهما المنع لأن أحمد قال في رواية المروزي وابن بختان إذا قال أبيعك النقض يعني البناء ولا أبيعك رقبة الأرض هذا خداع والثانية الجواز نقلها محمد بن الحكم.
وروى أبو بكر الخطيب بإسناده عن جعفر بن محمد المؤدب أنه سأل أحمد وبشر بن الحرث عن بيع أرض السواد فاتفق قولهما على بيع الأنقاض دون الأرض وهذه الرواية أصح عند القاضي وابن عقيل ولم يذكر ابن أبي موسى سواها لان هذا البناء مملوك له فجاز بيعه كبنائه في أرض الوقف المستأجرة ومن الأصحاب من تأول الأولى على أن البناء كان بآلات من الأرض وتأوله القاضي في كتاب الروايتين والآمدي على أن البناء لم يعلم هل كان قبل الوقف أو بعده فمنع من بيعه لعدم تحقق ملكه فأما أن تحقق أنه ليس بوقف جاز بيعه رواية واحدة.
قال الآمدي ونقل حنبل عن أحمد في النزول في السواد فقال قد ورثت شيئا فأنا فيه أصلحه وأعمره ولا أرى بيعه ولا هبته لأحد فإذا مت تركته على وقفه والعمارات والبناء والغرس للذي أحدث فيها وإنما أوقف القرى والأرضين وقال نقلها الخلال في كتاب الأموال والأظهر أن أحمد إنما أراد النهي عن أخذ العوض عن رقبة الأرض بهذه الحيلة وبهذا قال هذا خداع وهذا يفيد أنه لا يجوز بيع آلاته بأكثر من قيمتها وقد صرح بذلك في رواية المروزي.
قال في كتاب الورع قلت لأبي عبدالله يبيع الرجل سكنى داره قال أي شيء يبيع قلت ماله من الوقوف قال يبيع الذي له بما يسوي وكره أن يبيع بأكثر من ذلك وأنكر هذا البيع.
وكذلك نقل ابن هاني عن أحمد قال يقوم دكان وما فيه من غلق وكل شيء يحدثه فيه فيعطي ذلك ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان ولو كان له فيها غراس أو زرع فباعه بقيمته فلا يوقف في جوازه وقد ذكره القاضي في كتاب الروايتين وأما في الأحكام السلطانية فجعل الغراس كالبناء على الخلاف فيه وأما بيع ماله من الانتفاع بأرض العنوة كبيع سكنى دورها فقد أنكره أحمد وعلى قياسه بيع منافع أرض الزرع التي يستحقها بالخراج ومن الناس من أجاز بيعها وجعله إجارة لها حكاه القاضي في الأحكام السلطانية وذكر أن كلام أحمد يدل على خلافه لأنه فرق بين البيع والإجارة وكذلك حمل أبو عبيد شراء ابن مسعود أرض الخراج لي أن يكون خراجها على البايع على الكري وذكر بإسناده عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن القرطبي قال ليس بشرى أرض الجزية بأس يريد كراها قال وقال ذلك أبو الزناد وقول من قال أن الشرى هنا يراد به الكري إن أراد به أن يكون إجارة إلى مدة معينة فإطلاق البيع ينافي ذلك وإنما الخلاف في صحة الإجارة بلفظ البيع إذا قدرت المدة وإن أريد به الإجارة إلى غير مدة فهذا في الحقيقة نقل اليد بعوض ومعاوضة عن المنافع المملوكة وقد رجح جواز ذلك الشيخ أبو العباس بن تيمية وخرجه من نص أحمد على جواز دفع هذه الأرض عوضا عن الصداق الذي يستحقه قال وقال هذه الأرض إن قيل إنها وقف فإنها تخالف الوقف على معين لأن هذه توقف وتوهب ولا يبطل حق المسلمين من خراجها بانتقالها من يد إلى يد بخلاف الوقف على معين فإنه يبطل حق البطن الثاني بانتقاله إلى غيرهم ولهذا يورث المكاتب ويوهب ويجوز بيعه عندنا ويبقى مكاتبا على حاله.
وأيضا فقد سبق أن التحقيق في معنى كونها وقفا أنها محبوسة عن القسمة متروكة فيئا مشتركة بين عموم المسلمين أولهم وآخرهم وحقهم في خراجها وخراجها لا يبطل بانتقالها من رجل إلى آخر وأصل هذه المسألة مسألة بيع المنافع المجردة عن الأعيان وقد صرح طائفة من الأصحاب فيها بالمنع كالقاضي وابن عقيل والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعان أحدهما منافع الأعيان المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيانها فيجوز بيعها مفردة وذلك في صور منها أصل وضع الخراج على أرض العنوة على قولنا إنها فيء فإنه ليس بأجرة محضة بل شبيه بالأجرة ومتردد بينها وبين البيع كما سبق بل هو للبيع للإطلاق مدته أقرب ومنها المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه في الأملاك وهو أيضا شبيه بالبيع ومنها لو أعتق عبده واستثنى خدمته سنة فهل له أن يبيعها منه على روايتين عن أحمد منصوصتين عنه فإن هذه المنافع كان يملك المعاوضة عليها قبل العتق وقد استبقها في العتق بحق الملك فاستمر حكم المعاوضة عليها كما يستمر عندنا حكم وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد الكتابة ثم إن الكتابة عقد معاوضة على المنافع أيضا.
والنوع الثاني المنافع المملوكة مجردة عن الأعيان ومنافع الأعيان التي لا تقبل المعاوضة فإن كانت المعاوضة عنها مؤقتة جاز كإجارة العين المستأجرة والوقف ونحوه وإن كانت مؤبدة فالمذهب عدم جوازه كالمعاوضة عن الكلب المباح نفعه فإنه لا يجوز عندنا إن كانت المدة مطلقة وإن كانت مؤقتة على وجه الإجارة فوجهان وجعلوا المعاوضة هنا على نقل اليد ولو كان ذلك صحيحا لجاز نقل اليد فيه بعوض مطلقا ولما ورد النهي عن بيعه دل على أنه لا يجوز أخذ العوض عنه إلا أن يقال هذا لا مالية فيه ولا يملك منفعته بل الانتفاع به وكذا من يحجر مواتا أو قطعه له الإمام فإنه لا يملكه بذلك ويثبت له فيه حق التملك وينتقل عنه بهبة وميراث وفي نقله بعوض وجهان إلا أن يقال هنا ثبت له حق التملك لا ملك شيء من المنافع ولا غيرها وهذا بخلاف منافع الأرض الخراجية فإنها مملوكة لمن هي في يده كمنافع الوقف وأم الولد لكن لم يثبت لنا إلى الآن جواز المعاوضة عن هذه المنافع المملوكة وحدها على وجه التأبيد بل على وجه الإجارة لكن قد يقال إن من بيده الأرض الخراجية مستأجرة على التأبيد فله أن يؤجر على التأبيد كما هو مستأجر عليه وأما الكلام في إصداقها فسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وعن أحمد رواية أنه يجوز الشري دون البيع فمن الأصحاب من حكاها مطلقة لأن أحمد أطلق جواز الشراء دون البيع في رواية منها وغيره ومنهم من قيد ذلك بالحاجة بقدرها ومنهم القاضي في الأحكام السلطانية لأن أكثر نصوص أحمد مقيدة بذلك.
وقال في رواية المروزي لا يشترى إلا مقدار القوت فإن كان أكثر من القوت تصدق به وقال أيضا في روايته لمن سأله عن الشراء إن كنت في كفاية فلا وقال في رواية أبي طالب يشترى ما يقوم به ويوقت عياله فما كان أكثر من القوت فلا وقال في رواية المروزي ليس هنا قياس إنما هو استحسان وذكر أن أصله أن الصحابة رضي الله عنهم رخصوا في شراء المصاحف دون بيعها وقال في رواية الأثرم كان الشري أسهل يشتري الرجل بقدر ما يكفيه عن الناس هو رجل من المسلمين كأنه يقول إنما هي أرض المسلمين فهذا إنما في يديه ما يستغني به وهو رجل من المسلمين.
وكره البيع في أرض السواد قال الأصحاب لأن المشتري مستنقذ لها من الظالم البايع فهو كافتداء الأسير ونحوه قال القاضي وهذا العقد بين المسلمين والمشركين فهو كافتداء الأسير وفي هذا التعليل ضعف سبق التنبيه عليه.
وقال ابن عقيل إنما يصح الشراء للافتكاك لا للتمليك وهو أيضا مخالف لنص أحمد فإن أحمد أجاز شراء قدر القوت فدل على أنه أراد الشراء للاشتغال ووجه اعتبار الحاجة أنه قد يجوز في حال الحاجة من العقود مالا يجوز مع عدمها كما في بيع العرايا قال صاحب المغني وشراؤها هو نقل لليد فيها بعوض لا نقل بملك الرقبة.
وروي عن الحسن والحسين أنهما اشتريا من أرض الخراج وهو مشهور عنهما ذكره يحيى بن آدم وأبو عبيد في كتابيهما.
وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال عمرو بن علي الفلاس سمعت عبدالله بن داود قال سمعت إسحاق بن الصباح من ولد الأشعث بن قيس يحدث عن عبدالملك بن عمير قال اشترى موسى ابن طلحة أرضا من أرض السواد فأرسل إلى القاسم بن عبدالرحمن يستشهده فأبى فقال موسى فأنا أشهد على أبيك يعني عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه اشترى أرضا من أرض السواد وأشهدني عليها وذكر عن يحيى القطان كلاما يدل على أنه أنكره من أجل إسحاق بن الصباح فإنه ليس بمشهور.
ومن الأصحاب من حكى رواية بجواز البيع والشراء منهم الحلواني وابنه ولعلها تؤخذ من مفهوم قول أحمد في رواية حنبل ليس لأهل الذمة أن يشتروا ما فتحه المسلمون عنوة وكذا وقع في كلام أبي بكر تخصيص أهل الذمة بالمنع معللا بأن الأرض ملك للمسلمين فلا يثبت للكفار معهم ملك لكن مقتضى هذا منع أهل الذمة من شرائها دون المسلمين.
وقد قال أحمد في رواية جماعة لا يعجبني بيعها وقوله لا يعجبني يقتضى الكراهة على أحد طريقي الأصحاب وابن عقيل يشير إلى أن لنا رواية أنه قسمت وملكت وسنذكر ذلك فيما بد إن شاء الله تعالى.
وللمنع من شراء أرض العنوة مأخذ آخر وهو أن المسلم إن اشتراها فإن التزم خراجها فقد ألزم نفسه جزية وصغارا وإن أسقط خراجها فقد أسقط حق المسلمين من فيئهم.
وروى يحيى بن آدم من طريق قتادة عن سفيان العقيلي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى أن يشتري أحد من أرض الخراج أو رقيقهم شيئا وقال لا ينبغي للمسلم أن يقر بالصغار في عنقه.
ومن طريق كليب بن وائل قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما اشتريت أرضا قال الشراء حسن قلت فإني أعطي من كل جريب درهما وقفيزا من طعام قال لا تجعل في عنقك الصغار.
ومن طريق ميمون بن مهران عن عمر رضي الله عنهما قال ما يسرني أن لي الأرض كلها بجزية خمسة دراهم أقر فيها بالصغار على نفسي.
ومن طريق جابر الجعفي عن القاسم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار يعني بالطسق الخراج وخرج أبو عبيد من طريق شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال تبعنا ابن عباس رضي الله عنهما فسأله رجل قال إني أكون بهذا السواد فأتقبل ولست أريد أن أزداد ولكني أدفع عني الضيم فقرأ عليه ابن عباس قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تنزعوه من أعناقهم وتجعلوه في أعناقكم.
وروي بإسناده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال ألا أخبركم بالراجع على عقبيه رجل أسلم فحسن إسلامه وهاجر وحسنت هجرته وجاهد فحسن جهاده فلما فعل حمل أرضا بجزيتها فذلك الراجع على عقبيه.
وعن قبيصة بن ذؤيب قال من أخذ أرضا بجزيتها فقد باء بما باء به أهل الكتابين.
وقال الأوزاعي جمع أصحابنا بين خصلتي سوء دخلوا في الخراج وهو شريعة من شريعة الكفر ومنعوا به فريضة من فرائض الإسلام أخرجه حرب الكرماني وكأنه يريد به من قال إن العشر لا يؤخذ مع الخراج.
وقد سبق في الباب الثاني عن خالد بن معدان وغيره التغليظ في ذلك مع أحاديث مرفوعة وقد علل بهذا الإمام أحمد وأبو عبيد أيضا.
قال أحمد في رواية حنبل لا تشتري الضياع بالسواد يؤدي الخراج هو من الصغار وقال في رواية حرب في المسلم يشتري من أرض الخراج ويؤدي الخراج قال مكروه.
وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال هو صغار وفسر إسحاق بن راهويه في كتاب الجامع القبالات التي كرهها الصحابة رضي الله عنهم كابن عمر وابن عباس بتقبل أرض الخراج لما فيه من الصغار وعلى هذا المأخذ فلو اشتراها المسلم بشرط أن يكون خراجها على البائع فقد أجازه ابن مسعود رضي الله عنه وفعله كما روى يحيى بن آدم من طريق حجاج عن القاسم بن عبدالرحمن قال جاء دهقان إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال اشتر مني أرضي فقال عبدالله على أن تكفيني خراجها قال نعم فاشتراها منه وقد سبق قول ابن مسعود من أقر بالفسق فقد أقر بالصغار فإذا اشتراها على أنه لا يؤدي الخراج فقد تخلص من الصغار وتأوله أبو عبيد على أنه استأجرها لأنه لو اشتراها لم يكن خراجها على البايع ولكن لعل ابن مسعود رضي الله عنه رأى جواز هذا الشرط في البيع وينبني على هذا المأخذ أيضا جواز بيع أرض الخراج دون شرائها وهو مذهب إسحاق نقل عنه حرب أنه قال في بيع أرض الخراج رخص فيه سفيان واشترى الحسن والحسين من أرض الخراج قلت أتكرهه قال إنما كرهوا الشراء فأما البيع فلا بأس به ورخص فيه وينبني عليه أيضا أنه لو باعها من وصي لم يكره وأنكر آخرون أن يكون الخراج جزية وقالوا بل هو أجرة محضة كأجرة أرض الوقف.
وذكر الليث بن سعد عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه قال إنما الجزية على الرؤوس وليس على الأرض جزية خرجه أبو عبيد قال وحدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن رجاء أبي المقدام عن نعيم بن عبدالله أن عمر بن عبدالعزيز أعطاه أرضا بجزيتها قال عبدالرحمن يعني من أرض السواد.